منتديات حياة الروح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات حياة الروح


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ذكريات مغتربة . . .

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
زهراء . . .
عضو جديد
عضو جديد



انثى
عدد الرسائل : 35
العمر : 22
تاريخ التسجيل : 24/01/2013

ذكريات مغتربة . . . Empty
مُساهمةموضوع: ذكريات مغتربة . . .   ذكريات مغتربة . . . I_icon_minitimeالخميس فبراير 07, 2013 1:12 pm



بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

.
.

رواية :

مذكرات مغتربة

للكاتبة: خولة القزويني



الإهداء :

أهدي باكورة مؤلفاتي 000

إلى والدتي تعبيراً عن تقديري واحترامي لشخصها الكريم ...

مع خالص حبي ووداي

خولة القزويني

.
.

حصلت هاي الرواية هديه من صديقتي وعجبتني وحبيت أنقلها لكم

وماهي موجوده بالنت دورت عليها وماحصلتها ولنكم تستاهلونها رح اكتبها


.
.


البعثة الدراسية

الغربة .. انعطاف جميل نحو حياة جديدة تتمثل فيها كل معاني النضوج ..

إنني على أبواب العشرين من عمري وعلى وشك الدخول في الجامعة .. فقد حزت على درجة عالية تؤهلني للالتحاق بأي مجال أو تخصص ، ولكن وزارة التربية اختارتني ضمن بعثة دراسية إلى الولايات المتحدة الأمريية ، شعرت في قرارة نفسي بفرح عارم لأنني أروم خوض تجربة مثيرة تكسّر هذا الروتين الذي درجت عليه سنين حياتي الماضية ، ولعلي لم أجد أية معارضة من قبل والدي بل نالت الفكرة استحساناً وقبولاً منهما ، اللهمَّ إلا والدتي التي همّت تعارضني بعض الشيء خشية الفراق ، وراحت تختلق شتى الأعاذير والسبل لاقصائي عن هذا الأمر ولكنني تناسيت في هذه اللحظة مشاعري وعاطفتي والتصاقي بأمي ، وانني لأعزو هذا التحول الى إصراري على خوض تجربة جديدة في حياتي فقضيت أياماً قليلة أعد أوراقي ولوازم سفري .. دونما أي بادرة تعدلني عن سفري .
لم يعد أمامي سوى يومين فقط أستطيع بهما التفرغ كلية لأسرتي بعدما شغلتني ظروف البعثة برهة من الزمن وقد اغتنمت في هذا اليوم فرصة اجتماع جميع أفراد الأسرة لأقضي معهم بعضاً من الوقت ، فما أنا اخذت لي مقعداً للجلوس بينهم في تلك الليلة حتى بادرت أمي تقول :

- إنكِ سببت لي ضيقاً وكدراً يا أمل .. أتعتقدين أن سفرك هذا سهل عليَّ وأن أتجرع مرارته ؟! ولكني عدت أقول لها بكل هدوء

- انني أيضاً أعاني هذه المعاناة يا أمي ، ولكن أنا لست أول و آخر فتاة تفارق أهلها ولكن لا تبالي فسأراسلك مرتين في كل اسبوع كي اطمئنك على نفسي وأحاول الاتصال بك هاتفياً بين يوم وآخر ..

فاستطرد والدي قائلاً :

- لاتكترثي يا أمل .. إنك حتماً ستواجهين بعض المتاعب في البداية نظراً لاختلاف الأجواء والنفوس ، ولكن ستنسجمين بعد ذلك ، وتشعرين عندئذ بالارتياح .

ووثب أخي الصغير نحوي وأخذ يعبث بشعري وهو يقول :

- ماذا ستشترين لي من أمريكا ؟

فأجبته وأنا ألثمه بقبلاتي :

- سأشتري لك سيارة صغيرة ، ودراجة وكل شيء تحبه يا حسن ..


وقد تجاذبنا أطراف الحديث حتى ساعة متأخرة من الليل ، وقد أعددت حقائب سفري لصباح اليوم التالي .. وأحزمت لوازمي .. إذ حان موعد الرحيل ، رافقني الجميع إلى المطار كانت الدموع حبيسة في عيني .. وعبثاً حاولت إخفاءها ، فكيف لي ذلك وأنا بقرب أمي التي ما انفكّت تبكي ، لحين هذه اللحظة ، وجاء المفترق المكاني الذي أقصاهم عني وأقصاني عنهم لأنضمّ إلى ثلة الطلبة المهيأين للبعثة ودخلنا الى جانب المغادرين من بهو المطار ، ولوحت بيديَّ لأمي ، التي راح والدي يهدّيء من روعها ، لكم هي صعبة هذه اللحظة ، لم أعد أستطيع أن أتمالك نفسي فدموعي راحت تنهمر دون انقطاع حتى ان احدى المرافقات معي في السفر شرعت تطمئنني وتخفف عبء عناني ، وتهدىء حزني ..

" أمي " التي لم أفارقها لحظة واحدة في حياتي ، أجد نفسي الآن بعيدة عنها .. بل سيمتد هذا البعد شهوراً طوال ، ولكني أوحيت لنفسي ان هذه التجربة ستكون رحلة لبناء ذاتي ،.. فأول ألم تسرب إلى جنبات روحي هو العاطفة ولكن تزاحمها مع الاصرار والاستعداد يجعلها تتخذ مساراً آخر فهي ليس كل شيء في كياني ،.. ينبغي أن أُسكت نداءها ،.. لابدّ أن لا أستسلم لها .. رغم الألم الذي ترك آثاره على قلبي ..

ركبنا سيارة أعدت لنقل المسافرين الى الطائرة ، لقد اتخذت لي مقعداً بقرب إحدى زميلاتي في الرحلة ، وراحت تجاذبني أطراف شتى الأحاديث فشعرت معها بالإرتياح وربما ساهمت في إزاحة عبء الفراق عن كاهلي بعض الشيء.

مع " وداد " و " بدو "

وصلت طائرتنا إلى مطار " نيويورك " حيث كانت هيئة تابعة للسفارة في استقبالنا وعرجوا بنا أول الأمر الى أحد الفنادق ريثما يتم توزيعنا على الجامعات حسب تخصصاتنا ، فأما مجموعتي فهي قد ضمتني مع طالبتين وطالب ثم تم نقلنا الى ولاية " انديانه " عبر الطائرة أيضاً وكان ذلك في صباح اليوم التالي ،.. وقد أرسلت الجامعة أستاذة اسمها " سوزان " لتستقبلنا .. أخذت تتحدث عن الجامعة وتنظيمها ،.. وعن ولاية انديانه بشيء من الروتين الذي دزجنا عليه ، والاسلوب الرتيب الذي يتصف به الأساتذة وهم بصدد شرح قضية ما ..
أما أنا فكنت شاردة التفكير فإن كياني وعقلي كانا مع أمي وأبي .. والعبرة كادت تخنقني لولا اسلوب المحدثة الذي حاولت من خلاله جذبنا ومناقشتنا كي لا تدع لنا لحظة نستغرق فيها في التفكير ..



مع " وداد " و " بدور "

وصلت طائرتنا إلى مطار " نيويورك " حيث كانت هيئة تابعة للسفارة في استقبالنا وعرجوا بنا أول الأمر الى أحد الفنادق ريثما يتم توزيعنا على الجامعات حسب تخصصاتنا ، فأما مجموعتي فهي قد ضمتني مع طالبتين وطالب ثم تم نقلنا الى ولاية " انديانه " عبر الطائرة أيضاً وكان ذلك في صباح اليوم التالي ،.. وقد أرسلت الجامعة أستاذة اسمها " سوزان " لتستقبلنا .. أخذت تتحدث عن الجامعة وتنظيمها ،.. وعن ولاية انديانه بشيء من الروتين الذي دزجنا عليه ، والاسلوب الرتيب الذي يتصف به الأساتذة وهم بصدد شرح قضية ما ..
أما أنا فكنت شاردة التفكير فإن كياني وعقلي كانا مع أمي وأبي .. والعبرة كادت تخنقني لولا اسلوب المحدثة الذي حاولت من خلاله جذبنا ومناقشتنا كي لا تدع لنا لحظة نستغرق فيها في التفكير ..
أما رفقائي فقد أصغوا اليها وكأن على رؤوسهم الطير .. وصلنا بعد ذلك الى السكن فاتخذت أنا ورفيقاتي الأخريات شقة في الدور الخامس ضمتنا نحن الثلاث ، رفيقتاي هما : وداد ، والأخرى بدور .. كان الطقس حينئذٍ بارداً ، والثلوج قد غطت مساحات شاسعة من الطرق ، وتبدو المنازل عن بعد كأنها ارتدت رداءً أبيض ، نظراً لطبقات الثلج الكثيفة التي كست سطوحها .. كل شيء في الطبيعة يبعث في نفسي احساساً بالروعة والدهشة ، وأما الشقة التي اتخذناها من السكن فهي واسعة جداً ، ومجهزة بكل ما نحتاجه من اللوازم فضلاً عن ذلك كله أنها تطل على احدى الغابات التي يكثر فيها الغزلان في موسم الربيع ، الذي يسمى " موسم صيد الغزلان " إذ راحت " مسز كاتي " وهي الخادمة الزنجية تتحدث لنا بإسلوب ظريف ومضحك وتشرع في كل جملة وأخرى على مفاكهتنا ، هممت ان أفتح احدى النوافذ فإذا برذاذ من الثلج الناعم يتساقط على رأسي فجمعت كومة منه لأكوره وأرميه بعيداً وكأنني أنست لهذه اللعبة المسلية ، بينما راحت بدور و وداد تفكان حقائبهن وترتبان الملابس في الخزانة الخاصة ...
كانتا متناقضتين ، فوداد ثرثارة .. ضحوكة تحب الهزل والمرح ، انها لا تدع لحظة تفوتها دون أن تترنم بأغنية تشعرني كلماتها باشمئزاز فظيع ، وأحياناً تمزجها بحركات راقصة ، ما يثير النظر اليها أناقتها المبالغ فيها ، وطبقات سميكة من المكياج الصارخ الذي أخفى حقيقة وجهها ما أن أنظر اليها حتى توحي لي بعبارة " لاشي يهم " فهيئتها تدل على عدم الاكتراث واللامبالاة .. معان غزيرة تلوح لها علائم وجهها النحيف ، أما بدور فالنظارة الطبية التي أخفت نصف وجهها جعلني أتخذ منها موقفاً يدعو الي الجد دائماً ، لأنها صامتة تبدو وكأنها غارقة في التفكير ، نادراً ما تضحك وان حصل ان كانت في موقف يدعو الى الضحك فتكتفي بابتسامة متكلفة تكشف عن ثغر نضيد ، انطوائية لا تحب مشاركتنا ..

لم تكن ميولنا نحن الثلاث متفقة فلكل واحدة منا أفكارها الخاصة ومزاجها الذي تختلف به عن الأخريات ، هذا ما لمسته خلال خمسة أيام التي قضيناها سوية ، فالغربة أحياناً تجمع بين الغرباء وتؤلف بينهم ، أما أنا فلم أجد هذه البادرة ..
حيث " وداد " تهتم في أغلب أوقاتها بالاستلقاء على فراشها وهي تستمع الى الموسيقى الصاخبة ، والأخرى تحسسني حينما أتحدث اليها وأفضي اليها بأحاديث معينة ، انها لاترغب وتفضل الاكتفاء بعزلتها ولعلهما ينظران لي نظرة سلبية للحجاب الذي أرتديه والاعتصام بديني واصطحابي للقرآن وتحرزي في تناول بعض الأطعمة فقد دهشتا من ذلك الاهتمام وقد أطلقت عليَّ وداد " الحجّة أمل " فهي لم تمنع نفسها أحيانا من التهكّم والاستهزاء ولكنني كنت أصرف نظري عن كل ذلك بل وأعدّه ضرباً من ضروب المزاح كي لا أثير التنافر والبغضاء بيننا

الحجاب يثير تساؤل

في الأيام الأولى شعرت بشتى الأحاسيس المتضاربة ، هو شعور من تترقب شيئاً جديداً شعور مزيج من الملل والضيق ، التحقنا نحن الثلاث بكلية " الهندسة " ضمن فروع مختلفة ، لم أكن أواجه أية عقبة تمنعني من فهم المحاضرات ، وان حدث ذلك فألوذ الى " بدور " فهي أكثرنا ذكاءً وقدرة على استيعاب المصطلحات الصعبة والطويلة معاً ، و لأننا في السنة الأولى يتوجب علينا دراسة مقدمة في الهندسة يشترك فيها جميع الفروع ،.. وكنت أتصل بوالديَّ هاتفياً بين يوم وآخر وأرسل لهما الرسائل التي أسهب فيها وأنا بصدد شرح ظروف معيشتي .. وتصادف يوم الأحد إجازتنا الاسبوعية فنجتمع في صالون كبير لممارسة هواياتنا وأنشطتنا مع طالبات السكن الأخريات وهنَّ من أوطان مختلفة .. وحفزني هذا الملتقى لأن أدعوهن الى عقيدتنا الاسلامية وكان الشيء الذي يثير دهشتهنّ وتساؤلاتهنّ هذا " الحجاب " الذي أرتديه في غير أرضه ولا وطنه !
وكنت أقرأ على وجوههن هذه الدهشة وذلك التساؤل حول ماهية هذا الرداء ، فكنت أتخذ من هذه الحيرة التي تملأهن وسيلة لعرض مفاهيم الاسلام عليهنَّ وقد كنَّا ندخل في مجالات عميقة خصوصاً مع بعض من الطالبات الصينيات اللاتي ينكرن وجود الله ، حينما كنت أحدثهنَّ عن الله يضحكن كمن يستضعفن إدراكي ، وحينما أراهن يعجزن عن دحض حجتي ، يعقبن " اننا تربينا على هذا الاعتقاد منذ الصغر فالعالم وجد بمحض الصدفة " انني لم أدّخر جهداً الا وبذلته في سبر أغوار أعماقهنَّ و دخائلهنَّ .. ولكن التي لفتت نظري واستحوذت على انتباهي " كاترين " التي لم تتوان عن مناقشتي بدافع البحث عن الحقيقة فهي وليدة أسرة متحفظة ، لذا فهي تختلف عن الأميريكيات بتحفظها وتعقلها ، وقد كنت أبذل قصارى جهدي في الوصول الى مرامي نفسها وإشباع نهم فضولها ولم يفتني أن أهديها لبعض الكتب الاسلامية المترجمة باللغة الانجليزية لتقرأها وتسألني عن أي أمر يستصعب عليها ، فلكم جميل ذلك الشعور الذي ينتابني الآن وأنا أجد نفسي أعيش قضية ، لا أمارس تجربة فحسب بل أصنع التجربة " قضية"أثيرها في نفوس تلك الفتيات لعلهن يعرفن من الحقيقة شيئاً .

علمت أن هناك مسجداً قريباً في المنطقة التي أقطن بها ، فعزمت يوماً الذهاب إليه ، بعد أن بحثت عن العنوان .. كان اليوم هو " الخميس " هيّأت نفسي فور انتهاء المذاكرة لزيارته ودعوت رفيقتيَّ لمرافقتي ، فرحّبت بدور أيّما ترحيب وشرعت تطلب مني خماراً ترتديه للصلاة ، أما وداد فقد امتعضت وقالت :
انني لست متفرغة فغداً امتحاني

، ولكنني أجبتها بابتسامة حانية : كلنا سنمتحن غداً .. ولا يمنعك الامتحان هذا من أداء فريضة المغرب والعشاء في المسجد ..

فقالت وهي تتململ : - اذهبا أنتما وسألحق بكما بعد قليل

قلت : كما تشائين يا أختاه ، فلن نرغمك على الذهاب

وكنت قد تعمدت هذه الدعوة ، لاخراج بدور من عزلتها ولاعادة وداد الى صوابها فهي فتاة طائشة ، لاتحسب حسابها لغد ، وتردد عبارتها التي تؤمن بها إيماناً كبيراً " عش ودع غيرك يعيش " ولا أستطيع ان اثنيها عن أي تصرف سلبي يبدر منها فهي عنيدة ، أما بدور فقد كانت على النقيض منها ، وقد لحظت عليها انها قنوعة وسهلة جداً ، ومما يخيفني انها مفترقين ، تارة تناصر أفكاري ، وتارة أخرى تقف الى جانب وداد ، هي كالريح سريعة التقلب ، سهلة التغيّر ، ولكنني صمّمت على أن أخلق لها البيئة التي لازمها طالما هي معي وأمنعها من الالتصاق بوداد ،.. وصلناالى المسجد الذي ضّم حشداً كبيراً من المصلين والمصليات من جنسيات مختلفة ، ودخلت مع بدور الى ركن النساء لم يكن الإمام قد بدأ الصلاة ، لذا فقد أخذنا نقرأ القرآن ريثما يحين موعدها ، كنت أشعر بالارتياح والغبطة ، وكأني في واحة خضراء ارتميت في أحضانها بعد أنا قطعت أشواطاً ثقيلة أجوب صحراء قاحلة ، فأميركا رغم البهرج والضوضاء و الضجيج لا تعدو غير صحراء في عداد نفسي ، فحضارتها لم تستطع أن تطفئ ظمأ روحي .. أدّينا الصلاة ، وقرأنا الدعاء ، وأحسست في قرارة نفسي أنني انتهلت زاداً جديداً يجدد خلايا الايمان في ذاتي ، وفي غمرة تفكيري هذا ، اقتربت مني فتاة تسألني : الأخت عربية ؟

قلت لها : نعم.. وأنتِ ؟

قالت وهي مبتسمة بوادعة : نعم أنا زينب من لبنان ، أعيش مع أخي عدنان فقد هجرنا وطننا منذ أن نشبت الحرب

ورحت أعرفها على نفسي وزميلتي بدور ، وأنست من لقائنا حيث تجاذبنا الحديث ، وقبل أن ننصرف أعطتني عنوانها ورقم هاتفها وطلبت منا أن نزورها .. لقد كانت فتاة رائعة جداً في العقد الثاني من عمرها .. تعلو وجهها هالة من النور ، وديعة تبدو عليها مسوح المؤمنات الورعات ، وقد شدّتني بأسلوبها الناضج وحديثها المتأدب ، وفرحت ببادرتها الخيرة في التعارف .. حينما عدنا بعد ذلك الى الشقة لم نلق " وداد " ورحت أسأل " مسز كتي " عنها ، وتبين لي أنها على موعد مع رفيقها " ماهر " الذي أجده يرافقها بصورة دائمة في الكلية ، وامتعضت كثيراً من تصرفها هذا دون أن تحسب أي حساب لظروفنا كفتيات مسلمات نعيش الغربة ويتحتم علينا أن نحتاط بشيء من التحفظ .. " بدور " انصرفت الى غرفة نومها بعدما التقطت قصة بوليسية لهيتشكوك ، فقد خصصت رفاً كاملاً من المكتبة نصبت عليها سلسلة كبيرة منها التي تستهويها كثيراً ، فلذتها هي أن تفكر في حل الألغاز حتى أنني أمازحها أحياناً قائلة : أنت تنفعين أن تكوني ضابط مباحث ، وتسرها هذه الجملة التي تشعرها ان طراء من نوع آخر ..، أعددت العشاء لأتناوله معها محاولة بذلك أن أحبس خفايا شخصيتها لأتمكن من تثبيتها كما عزمت .. فهذه الجلسة الانفرادية لن تتكرر دائماً ، وقلت لها :

- هل سرتك الصلاة في المسجد ؟

أجابت دونما أي انفعال يبدو على وجهها : - نعم لا بأس بها

- ما رأيك بزينب؟

- جيدة

إنها تتعبني بإجاباتها المختصرة الت يخيل لي وكأنها متهم يقف أمام محقق شرطة ، وكنت أبحث عن ثغرة واحدة ، أتمكن من خلالها الولوج الى نفسها :

- مالذي يعجبك في القصص البوليسية ؟

ولقد أصبت في حدسي ، فقد بدأ وجهها يتمزق ليسفر عن ابتسامة عريضة وعينين على أتم استداد للحديث قالت :

-إنني أعشق هذه القصص لما لها من إثارة عقلية ، فأنا مؤمنة بفائدتها .

سألتها وأنا جداً مشدوهة :

- وماهي فائدتها ؟

- انها تنمي ذكاء الانسان وفطنته

- قلت ثم ماذا ؟

قالت : لاشيء ثم أنا أعتقد انها أفضل من القصص الغرامية والمجلات الفاضحة التي تقرأها " وداد "

إن جوابها كان بارقة أمل لي ، فحضورها العقلي هنا يمكنني من الحفاظ عليها ولكن سرعان ماتلاشت هذه الغبطة ، لأنني أعرف تماماً انها غير ناضجة فكرياً ، فهي تتمتع بذكاء حاد ، ولكن تفتقر ألى النضوج مما يجعلها عُرضة لأي تيار يجرفها . قلت لها

- إنني أقرأ الكتب الفكرية التي تبني لي محتوى استند عليه في التفكير ، فالذكاء ليس كل شيء طالما أن العقل في خواء ، وقد كان مرمى حديثي هو تحسيسها بأن هذه القصص لا تشكل عنصر فائدة بالنسبة لها

فصمتت دونما أن تجيب ولكنني غيرت مجرى حديثي فسألتها :

- مارأيك بعشائنا اليوم ؟

قالت بابتسامة فاترة : لذيذ جداً .. سلمت يداكِ

فمازحتها قائلة : أتمنى أن تطهي لنا وجبة العشاء غداً ..

فقلت وهي في طريقها الى الانصراف : بكل سرور

الساعة قاربت الثانية عشرة ، و " وداد" لم تحضر فانتابني القلق ولقد خشيت عليها من هذا الذئب " ماهر" فهو أحد هؤلاء الشباب العابثين الذين يخدعون الفتيات بكلمات معسولة و وعود كاذبة ..يستدرجونهن الى حبائلهم ..
ولطالما حذرت "وداد" ولكنها تأبى نصائح فلم أستطع أن أهجع ولا لحظة واحدة ،.. فغدوت أجوب الشقة جيئة وذهاباً ، تارة أنظر الى عقارب اساعة ، وتارة أطل من النافذة .. وأهرول فور سماعي بوق سيارة مارة ، وانعطفت الى غرفة بدور أعرب عن توتري وقلقي لها فلم تمترث لأنها مستغرقة في عالمها الخاص ولم يحرك ساكنها هذا الأمر بل اكتفت بالقول

- لاتقلقي ستعود بعد قليل

واستدعيت مسز كاتي لأستجوبها فخرجنا معاً الى الشارع لعلني أستطيع أن أهدأ قليلاً وقد طلبت مني أن أعود الى الشقة لتقف بدلاً مني لترقب " وداد" فما رضيت بذلك إذ شعرت وكأنني مسؤولة عن وداد ، أحاسبها على تصرفاتها ،.. وهاهي سيارة قد وقفت أمام المبنى لتترجل منها " وداد " وهي في كامل زينتها وحرارة أنوثتها .. تضحك ضحكاتها الممجوجة ، فنظرت إليَّ بكل وقاحة قائلة :

- ماذا دهاكِ يا أمل ؟! مالذي أتى بكِ الى هنا ؟!

ولكني لم أجبها ووددت في هذه اللحظة لو أنقض عليها ضرباً ، فاكتفيت بأ نظرت إليها بغضب وحده علّها تفهم مغزى ما أود البوح به ، وعدنا الى الشقة فأفرزت غضبي قائلة :

- ألا تخشين الله يا وداد وأنت في رفقة شاب لا تربطك به صلة ، تسهرين معه الى هذه الساعة المتأخرة .

فأجابت وه تخلع ثوب سهرتها قائلة :

- أنا حرة ، وراشدة ، وأعرف كيف أحفظ نفسي

فاقتربت منها عن كثب لأهزها بكفي غاضبة :

- أي رشد هذا الذي تتحدثين عنه أيتها المخدوعة ؟! أوتظنين أن أمريكا أنستكِ دينكِ وعاداتكِ وتقاليدكِ !.. وهويتكِ توبي الى رشدك فنحن سنعود الى أوطاننا .. سنعود الى ماكنا عليه ..

فأردفت تقول وهي تضع رأسها بين كفيا تهزه في بكاء وحرقة :

- اصمتي وإلا اضطررتيني أن أخرج في هذه الساعة لائذة بالفرار .. لاتذكريني بالعودة أرجوكِ .. لاتذكريني .. دعيني أعيش هذا الحلم ..

عندها ، تلمست أن خلف بكائها جدوراً وكوامن ، لعلني لم أعلمها .. فهرعت بدور اليها متسائلة :

- ماذا بكما ؟!..

واقتربت من وداد تسألها : ماذا بكِ يا وداد ؟! لماذا تبكين ؟!

فشرعت الى وداد ألملمها وأحتضنها قائلة بحنو :

- لاتبكي ياعزيزتي .. فأنا لم أقصد بقولي هذا تجريحكِ بل الحفاظ عليكِ ، فأنا أخت ناصحة لكِ أخشى عليكِ من يد خؤون تغدر بكِ ، فينبغي أن تحترمي الحرية التي منحها أهلكِ لكِ .

فوثبت واقفة بكل قوة وهي تصرخ :

أنا أكره أهلي .. أفهمتِ أكرههم ، ولا أرغب في العودة إليهم .

فسألتها بشرود ودهشة : هل هناك من مخلوق يكره أهله ؟!

قالت وهي في كامل ثورتها : نعم .. أنا أكرههم !..
لأنني تجرعت منهم الذل والهوان ، لقد حرموني من كل شيء حتى من الحرية ، فطوال سنوات عمري وأنا قعيدة البيت لم يحدث أن خرجت في رفقة صديقة أو قريبة في نزهة ،.. بل فرضوا عليَّ حصاراً وكأنني أسيرة وقد وقفوا مني موقفاً سلبياً رفضوا كل شاب يتقدم لي خاطباً ، وآخرهم ابن عمي الذي أحببته وتمنيت أن أحظى به زوجاً ولكنهم انتزعوا من قلبي ذلك الحب حتى اضطر أخيراً للزواج من إحدى قريباته ، وقد أصبت بانهيار عصبي على أثر ذلك أدخلوني مستشفى الأعصاب .. وأنا لم أبلغ التاسعة عشر قط ، حتى تمت عالجتي على يد طبيب أمرهم أن يصطحبوني في رحلة خارجية تعيد الحيوية الى نفسي لكنني رفضت مرافقة أي واحد منهم .. حتى أمي أوتعقلين فتاة تكره أمها .. فصمم زوج أختي الكبرى على أن يرسلني الى هنا لأدرس وآخذ قسطاً من الراحة .. ولكنني سأرغمهم على أن يدفعوا الثمن باهظاً سأكسر القيد الذي أنهك روحي ..

وراحت تتجرع بكاءها وأنينها ، فقد أبكتنا .. إذ أننا لم نعلم أنها ضحية واقع اتخذ العادات والتقاليد إلهاً .. فقررت أن أخفف عنها همها ، وأزيل عنها ، هذا الشبح المظلم القابع في قلبها وظل يطاردها ، وأعددت مع بدور لها العشاء نحاول بذلك مؤانستها .. وانا في قرارة نفسي متألمة .. اذ تبين لي أنني أخطأت التشخيص .. فكثيراً مانر أفراداً عليهم علائم العبث والاستهانة ولكن واقعهم مر كالعلقم ، وينبغي أن نأخذ بيد هؤلاء الأشقياء نحو مدارج النور .. وطريق الهناء


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ذكريات مغتربة . . .
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات حياة الروح :: •·.·`¯°·.·• المنتديات الادبية •·.·°¯`·.·• :: •·.·`¯°·.·• منتدى القصص و الروايات •·.·°¯`·.·•-
انتقل الى: